xasn d

عندما كان عمر ابني 8 أشهر، أحضرت له مجموعة من القصص للأطفال، ورد في إحداها قصة مفادها أنّه ذات يوم أعلن ملك الطيور (النسر) وملك الحيوانات (الأسد) الحرب بينهما لمعرفة أيّهما أقوى. وفي اليوم الموعود، اجتمع الفريقان للقتال، كانت القرود تقفز على الأغصان لتضرب الطيور، والسنجاب ينقر من يصل إليه من الطيور، والأسد يصفع الطيور الكبيرة مثل النعامة وغيرها، والطيور تنقر بمنقارها الحاد أجساد الحيوانات ثم تحلق عالياً جديداً، ولاحظ الفريقان أن الوطواط يضرب الطيور حين تكون أقرب للهزيمة، ثم يتحول لصفهم ويشارك في ضرب الحيوانات عندما تبدو على وشك الانهيار. وبعد حرب مضنية، أعلن الملكان هدنة بين الحيوانات والطيور، وفي نهاية اليوم تصالحا واتفقا أن كل طرف كان أقوى في مجاله وبما يتناسب مع قدراته. هنا سأل الأسد النسر: ما حكاية الوطواط، كان يضربنا بشدة حيناً، وأحياناً يقاتل في صفوفنا؟
ردّ النسر: لقد لاحظنا الأمر نفسه أيضاً.
( وقرر الملكان معاقبته بأن أصبحت له صفات تجمع بين الطيور والحيوانات)
دعونا نتجاهل ما بين القوسين أعلاه من معنى غير مقبول دينياً، فإن المغزى من الحكاية يتلخص في أنّ الانتهازي لا حلّ له سوى العزل والمقاطعة، فقد كان بإمكانه اختيار فريق بعينه والقتال في صفه، والدّفاع عنه وعقد الصفقات معه، أمّا حالة التذبذب الذي عاناها الوطواط كما في الحكاية فيعكس عدم وضوح الرؤية وضبابيتها.
وهذا بالذات ما كانت عليه الصومال في سياستها الخارجية منذ أيام النظام العسكري وحتى اللحظة، فقادة الصومال لا يرون أن التردد والتذبذب أمر مستهجن، وتنتهي لوضع مزري في آخر النّهار..
هذا التذبذب جعل الصومال تخسر الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الامريكية، وها هم الآن يرتكبون الحماقات السابقة وبكل إصرار ظناً منهم أنّ هذا دليل على الذكاء الخارق للعادة، فهم يجسدون في نظر أقلية ممن لا يرون حرجاً من حضور الرئيس حفل تنصيب السّفاح السيسي رئيساً لمصر “الشخصيّة الصومالية العصيّة على الاستسلام لمعسكر واحد”.
فهم ينسون أن مصر ليست سوى دولة في مرحلة انتقالية تعيش حالة حرجة وتسعفها دول مثل الإمارات والسعودية بأنابيب مغذية لتستمر هذه الحالة الشّاذة، وهم يتعامون عن واقع أن الإمارات والسعودية لن يقبلا بأن تقوم للصومال قائمة كما تريد أن تغرق مصر وتونس وليبيا واليمن. ويغضون الطرف عن حقيقة أن تركيا هي أكبر مانح للصومال وتضخ مباشرة لميزانية الدولة، رغم الفساد.
ترى الأقلية المؤيدة للمشاركة في حفل التنصيب أن هذا دهاء، فهم يتعاملون بكل احترام مع داعمي الصومال، وفي نفس الوقت لا يخسرون ممولين متوقعين. هم يدركون أن دولة كالإمارات لن تمول أي مشروع مفيد للشعب الصومالي ولا يغيب عن تصورهم أن مشاركة الصومال بوفد رفيع ضمّ الرئيس ورئيس الحكومة ومسئولين آخرين مجرد ديكور في هذه المسرحية، وليسوا حتى (كومبارس) فيها.. ومع ذلك يفضلون أن يشعروا بالمشاركة في خيانة كبيرة، وتبرير ذلك بعبارات سخيفة كالقول بأن (السياسة لا تبنى على العاطفة) و (الرئيس يعرف أكثر منا) و(لا تملك الصومال اتخاذ موقف كموقف تركيا وقطر)
هذه العبارات السطحية الانهزامية يمكن هدمها ببساطة: سينتصر الشعب المصري حتماً وإن طال المدى، وسيطاح بالمجرمين، لذا وباعتبار أن الصومال جزء من العالم، والعالم يسعى لفرض الانقلاب، والصومال لا يملك أي شيء، وهو عالة على العالم، إذاً فليرسل برقية تهنئة، وليشارك السفير فوق العادة (المزمن) في القاهرة. هذه سياسة، أما أن تأمر الإمارات الرئيس ومن معه بالمشاركة في هذه المهزلة.. فهذه عمالة ووضاعة وخيانة!!
وشتان ما بين الشرفاء الذي أعلنوا برآءتهم من الرئيس ورهطه وبين العميان الذين اشتروا الحرية بالعبودية، والاستقلال بالتبعية، فما أصبرهم على البؤس والذّل!!